شاهناز أبوحجلة - سألتني: لماذا فرض الحجاب على النساء دون الرجال؟ لماذا كتب علينا أن نتصرف عكس طبيعتنا، فأنا أحب أن أبدو جميلة وأنيقة في عيون الناس أينما كنت؟ لماذا فرض علينا الأمر الأصعب، فأنا أستغرب كيف تحتملين هذا الجلباب الكئيب في هذا الحر القائظ؟
ابتسمت وطلبت منها أن تهدأ، ثم قلت لها: تعتقدين أن المرأة هي التي تتحمل الجزء الأصعب من هذا التكليف؟ اسمحي لي أن أخالفك الرأي، فالمرأة في حجابها لا تتحمل إلا ثوبا يستر بدنها، ولها الحرية في اختيار قماشه ولونه وشكله مادامت ملتزمة بمواصفات الحجاب الشرعي، وهو "أن يكون ساترا لجميع البدن عدا الوجه والكفين، فضفاضًا ثخينًا لا يصف ولا يشف، ليس زينة في نفسه، غير معطر، ليس فيه تشبه بملابس الرجال".
ذلك هو المطلوب من المرأة، أما الرجل فإنه مأمور بأن يغض بصره عن مفاتن المرأة سترتها أم عرضتها، وهو بذلك مطالب بأن يتصرف عكس طبيعته؛ لأن الرجل بطبيعته، بصره وعواطفه ومشاعره يحركها جمال المرأة ومفاتنها، ورغم ذلك فإنه مأمور بأن يغض بصره مع كل ما هو معروض أمامه من مفاتن النساء في كل مكان في عصرنا هذا، وإلا صار آثما، أليس ذلك هو الأصعب؟؟
وقد أكدت هذه الحقيقة الدكتورة Louann Brizendine، عضو المجلس الأمريكي للطب النفسي والأعصاب، ومؤسسة ومديرة عيادة "مزاج المرأة والهرمونات"، أكدتها في كتابها "دماغ الرجل The Male Brain". ففي أجزاء من كتابها، تشرح Louann ردة الفعل اللاإرادية للرجل عندما ينظر إلى أجزاء من جسد المرأة، وذلك بسبب التكوين الخلقي لدماغ الرجال الذي يتضمن مساحة للنشاط الجنسي أكبر بمرتين ونصف من تلك الموجودة في دماغ المرأة، مما يجعله غارقا في تخيلات جنسية بخصوص مفاتن المرأة.
"The male brain has an area for sexual pursuit that is 2.5 times larger than the female brain, consuming him with sexual fantasies about female body parts."
وهذا ما أكدته أيضا باحثة علم السلوك هاني فان هوف من الجامعة الحرة في أمستردام، والتي توصلت في بحث أجرته أنه حين يشاهد الرجال امرأة جميلة يتطلع إليها الجميع بشكل لا شعوري.
إذا فالرجال الذين يلاحقون الجميلات بعيونهم ليسوا دائما سيئي الخلق، وإنما هم يتبعون طبيعتهم ليس إلا، لذا جاء الإسلام ليهذب هذه الطبيعة التي أوجدها الله في الرجال لأسباب تتعلق بالتناسل والحفاظ على الجنس البشري، وجعل الله سبحانه وتعالى حجاب المرأة عونا له على العفة، وصونا لها من عيون من تمرد على أمر الله من الرجال في التعفف وغض البصر.
وأحب أن أذكرك بأمر ربما فاتك، وهو أنك اليوم فتية، لك بشرة نضرة، وقوام ممشوق، ولكن تخيلي نفسك عندما تبلغين الأربعين أو الخمسين، إن كل هذا سيتغير، فنضارة البشرة تذوي مع العمر، والحمل والولادة والعمر تتلف القد الممشوق، عندها ستعرفين قيمة الحجاب الذي يستر فتاة فتية نضرة تسير في الشارع عن أعين زوجك الذي لا تتغير طبيعته هو وغيره من الرجال مع كبر العمر، إنك ستطمئنين حينها أنه إذا نظر إليها زوجك فإنه لن يرى من مفاتنها وزينتها ما يدفعه قسرا إلى أن يعقد مقارنة بينها وبينك.
أما لماذا حدد الله عز وجل مواصفات للحجاب الشرعي؛ فذلك لأنه سبحانه وتعالى أعلم بالمَواطن والعوامل التي تفتن الرجل في المرأة، ولو ترك سبحانه الأمر لاجتهادات البشر لعمت الفوضى كما نرى اليوم.
لقد خلق الله البشر مختلفين في نظرتهم لأمور الدنيا، وهم مختلفون في بيئاتهم، وفي الظروف التي يتعرضون لها وتشكل طريقة تفكيرهم، كما أنه سبحانه وتعالى خلق لهم أهواء ورغبات لا حدود لها ولا يلجمها إلا التكليف الرباني بـ"افعل ولا تفعل".
ولو أجرينا بحثا في بيئات ومجتمعات مختلفة لوجدنا أن بعض المجتمعات تعتبر أن الفستان بنصف أكمام هو منتهى الحشمة، بينما تعتبره مجتمعات أخرى خارجا عن حدود الاحتشام. وهناك مجتمعات تعتبر الفستان بدون أكمام منتهى الحشمة، وفي مجتمعات أخرى يعد خروجا صارخا عن حد الاحتشام، بل إن بعض المجتمعات والبيئات ترى أن المايوه قطعة واحدة بدلا من المايوه البكيني هو منتهى الحشمة، نعم، إلى هذا الحد يمكن أن يصل الإنسان في تقديره لأمور حياته.
لذا لم يترك الله عز وجل تعريف "الاحتشام" لاجتهادات البشر، وإنما وضع مقياسا موحدا للاحتشام، على جميع النساء أن يقسن احتشامهن على أساسه.
تذكري فقط أن الحجاب يحجب الأنثى في المرأة حتى يبرز فيها إنسانيتها وعقلها، ولكنه أبدا لا يحجبها عن العلم ولا العمل ولا الجهاد ولا التمتع بمباهج الدنيا في حدود ما أحله الله.
وقبل أن أسترسل قاطعتني قائلة: ولكنني ما زلت صغيرة السن، ولا أتخيل نفسي في جلباب إن فكرت في الحجاب، فما رأيك في "الحجاب المودرن" الذي درج بين الفتيات هذه الأيام؟
قلت لها: لن أعطيك رأيا، وإنما دعينا نفكر معا، لقد اتفقنا على أن الله سبحانه وتعالى قد وضع مقياسا للحشمة يمكن أن تقيس كل منا لباسها على أساسه، أليس كذلك؟ هزت رأسها موافقة. قلت: فهل تجدين أن "الحجاب المودرن" ينطبق عليه هذا المقياس؟ قالت: لا، فالملابس ضيقة جدا، وألوانها صاخبة، والمساحيق تملأ وجوههن، وغطاء الرأس وحده مهرجان يعلن عن نفسه.
قلت لها: أريدك أن تلعبي لعبة فروقات الصورة، تخيلي "المحجبة المودرن" في صورتين؛ قبل الحجاب وبعده، وابحثي عن فروقات بين الصورتين. إنك لن تجدي إلا فارقا واحدا وهو غطاء الرأس، أما ما تبقى من لباسها فهو ما كان موجودا أصلا في خزانة ملابسها قبل أن تقرر ارتداء الحجاب.
لم يفرض الحجاب لستر بشرة المرأة، ولكنه فرض ليستر مفاتنها التي يمكن أن تكون ملفتة جدا حتى وهي مغطاة بلباس، إن ممثلات الإغراء في السينما يكتفين بكشف اليسير وإخفاء الكثير من أجسادهن، ولكنهن يحرصن على ارتداء نوع خاص من اللباس يظهر مفاتنهن ومواطن الجمال فيهن.
في الختام، قلت لها تفكري في حوارنا هذا بعقلك وقلبك، وبنية خالصة، وأنا على ثقة أنه لن يطول الوقت حتى أسمع عنك أخبارا طيبة، هزت رأسها ووعدتني أن تفعل.