| ]


حكم التوليد بالعمليات القيصرية 

 د. محمد بن هائل المدحجي

العملية القيصرية هي: توليد الحامل ولادة غير طبيعية - أي عن غير طريق فتحة المهبل -، بإجراء فتح جراحي أسفل السرّة، يتم خلاله شق جداري البطن والرحم لإخراج الجنين.
ويقال بأن هذه العملية تنسب إلى يوليوس قيصر؛ لأنه أول من ولد بهذه الطريقة، إذ ماتت أمه أثناء الطلق، وقام الطبيب عندئذ بشق بطنها وإخراجه، ثم عاش ليصبح إمبراطور روما، وأطلق عليه (قيصر)، فنسبت هذه العملية إليه.
وقد كانت هذه الطريقة في التوليد تُطبَّق على المرأة التي تموت في الأسابيع الأخيرة من الحمل على أمل إنقاذ الجنين، ولم تُطبَّق على الأحياء إلا نادراً وفي الحالات الميئوس منها فقط ؛ وذلك لأنها كانت تسبب الموت بسبب إهمال خياطة جدار الرحم، ولم يحدث تطور في إجراء العمليات القيصرية إلا بعد إدخال خياطة جدار الرحم عن طريق مساعد جراح يسمى (ماكس سينجر) وذلك في عام 1299هـ/ 1882م، ومنذ ذلك الوقت والتوليد بالعمليات القيصرية ينتشر وتزيد نسبته عاماً بعد عام - خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة -.
وهذه العمليات تارة تكون لمسوغ طبي، وتارة تكون لمجرد الرغبة في الهروب من آلام المخاض، ومن ثَم فبيان الحكم الشرعي لإجراء العمليات القيصرية يستدعي بيان حكم كل حالة، وذلك كما يلي :
أولاً: التوليد بالعمليات القيصرية لمسوغ طبي:
إن إجراء العملية القيصرية لمسوغ طبي له صور متعددة يمكن بيان حكمها كما يلي:
أولاً: إذا كان هناك ضرورة لإجراء العملية القيصرية من أجل إنقاذ حياة الأم أو الجنين في حالة وجود خطر على حياتهما فلا ريب في وجوب إجراء هذه العملية، ويمكن أن يستدل لذلك بالآتي:
[1] إن في إجراء العملية القيصرية في هذه الحالة إنقاذاً للنفس، فيدخل في عموم قوله تعالى: {...وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ ...}المائدة32.
[2] إن الشريعة الإسلامية جاءت بدفع الضرر ورفعه قدر الإمكان، وبقاء الجنين في بطن أمه في هذه الحالة يؤدي إلى وقوع ضرر عظيم عليه أو عليها، فإذا لم يمكن دفع هذا الضرر إلا بالعملية القيصرية وجب إجراؤها عملاً بالقاعدة الشرعية " الضرر يزال " التي دل عليها قوله صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار"[رواه أحمد وابن ماجه ].
ثانياً: إذا كان هناك حاجة لإجراء العملية القيصرية - كما في بعض حالات تعسر الولادة، وفي حالة موت الجنين وعدم خروجه بالطلق الصناعي مع عدم وصول الحالة إلى حد الضرورة - فإنه يجوز إجراؤها ؛ عملاً بالقاعدة الشرعية " الحاجة تنزل منزلة الضرورة " ولأن إجراءها في هذه الحالة نوع من التداوي، فيكون داخلاً في عموم الأدلة الدالة على مشروعية التداوي.
ثالثاً: إذا كانت الأم مصابة بمرض يخشى انتقاله للجنين بسبب الولادة الطبيعية عند مروره بقناة الولادة وملامسته للإفرازات المهبلية المليئة بالفيروسات - كما في حالة الإصابة بالأمراض الجنسية -، فإن هذا يعد مسوغاً من الناحية الشرعية لإجراء العملية القيصرية؛ وذلك دفعاً للضرر عن الجنين، وإعمالاً للقاعدة الشرعية " الضرر يدفع بقدر الإمكان ".
وتجدر الإشارة إلى أن الإذن المعتبر في إجراء العملية القيصرية هو إذن المرأة وليس زوجها، وقد جاء في قرار مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية رقم (173) بتاريخ 12/3/1413هـ ما نصه: " إذا تقرر طبياً من الجهة المختصة الموثوق بها أن الضرورة تقتضي إجراء عملية جراحية لاستئصال الرحم أو المبيض و العملية القيصرية، فإن القول المعتبر في ذلك هو قول المرأة في الإذن أو عدمه إذا كانت بالغة عاقلة، ولا يشترط في ذلك موافقة الزوج ولا غيره من أوليائها ؛ لأن الضرر يتعلق بها دون غيرها وهي أعلم بحالها " .
لكن ينبغي أن يقيد اعتبار إذن المرأة في إجراء العملية القيصرية بغير الحالات الطارئة التي تقتضي عدم التأخر في إجراء العملية تفادياً لخطر يهدد حياة الأم أو جنينها - كما في حالة انفجار المشيمة -، وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي رقم (67) بشأن (العلاج الطبي)، ما نصه: " في حالات الإسعاف التي تتعرض فيها حياة المصاب للخطر لا يتوقف العلاج على الإذن".
وجاء في قراره رقم (184)بشأن (الإذن في العمليات الطبية المستعجلة) ما نصه: " إذا كانت الجراحة القيصرية ضرورية لإنقاذ حياة الجنين أو الأم أو هما معاً ورفض الزوجان أو أحدهما الإذن بذلك، فلا يعتد بهذا الرفض وينتقل الحق بذلك إلى ولي الأمر أو من ينيبه في إجراء هذه الجراحة "
لكن في الواقع العملي يمنع الأطباء من إجراء العملية القيصرية بدون إذن أحد الزوجين مهما كانت الظروف، والذي ينبغي فعله أن يكون هناك لجنة طبية في مثل هذه الحالات، فإذا قررت إجراء العملية فإنه يتم إجراؤها دون الحاجة إلى الإذن، بل إذا كان انتظار قرار اللجنة يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه ينبغي ألا يتردد الطبيب في اتخاذ القرار بإجراء العملية .
ثانياً: التوليد بالعمليات القيصرية من غير مسوغ طبي:
اللافت للنظر أن عدد النساء اللائي ولدن بالعملية القيصرية ارتفع خلال السنوات الأخيرة إلى مستويات عالية جداً فى أوروبا والأمريكتين -وخاصة الجنوبية -، حيث وجدت دراسة أن معدلات الولادة القيصرية قد بلغت 90 % في بعض المناطق بالبرازيل، وانتشرت (الولادة القيصرية الترفيهية) كما يسميها بعض الأطباء ويعنون بها التي ليس لها أي مبرر طبي، وقد بدأت الأصوات تتعالى هناك للحد من هذا النوع من الولادة القيصرية .
بادئ ذي بدء لا بد أن نعلم أن العمليات القيصرية لها مخاطرها وسلبياتها، ومن ذلك:
[1] إن العملية القيصرية تتضمن جراحة قد لا تخلو من المخاطر، وأهم هذه المخاطر:
(أ) النزيف الشديد أثناء العملية .       
(ب) التهاب الجرح بعد الولادة .
(جـ) حدوث تخثر أو تجلطات في الأوعية الدموية الموجودة بالأطراف السفلية.
(د) حدوث التهابات في المسالك البولية أو الرئة أو الجهاز التناسلي .
[2] مخاطر وفاة الأم أو الطفل بسبب العملية القيصرية أكبر مقارنة بالولادة الطبيعية، واحتمال وفاة الأم بالولادة القيصرية 4 لكل 10.000 عشرة آلاف، وبالولادة الطبيعية 1 لكل 10.000 عشرة آلاف، واحتمال وفاة الطفل بالقيصرية 4 لكل 10.000 عشرة آلاف وبالطبيعية 3 لكل عشرة آلاف.
[3] تزداد معدلات حدوث الحالات المرضية للأطفال المولودين بعمليات قيصرية عن معدلات حدوثها في حالات الولادة الطبيعية .
فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الأطفال الذين يولدون عن طريق الولادة القيصرية يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض الحساسية والإسهال في السنة الأولى من أعمارهم، كما أنهم يعانون من الحساسية لحليب الأبقار وغيره من الأطعمة ضِعف ما يعاني منه الأطفال الذين يولدون ولادة طبيعية، ويظن العلماء أن الولادة عن طريق العملية القيصرية تغير أو تؤخر الوجود الطبيعي للبكتيريا في القناة الهضمية للطفل، والتي تلعب دوراً أساسياً في نمو نظام المناعة، وربما يعود ذلك إلى أن الطفل الذي يولد بالطريقة الطبيعية يلتقط البكتيريا من مهبل الأم، فيما يلتقط الأطفال المولودون عن طريق الولادة القيصرية البكتيريا من البيئة المحيطة بهم في المستشفيات .
[4] تسبب العملية القيصرية عدم العناية بالطفل في وقت مبكر بسبب انشغال الأم بآلامها، ففي حين تتطلب عملية الولادة الطبيعية أسبوعاً للتعافي، فإن العملية القيصرية تتطلب البقاء في المستشفى لأربعة أيام وأسبوعين للتعافي .
وإذا تقرر هذا، فإن رغبة المرأة في تجنب آلام المخاض، أو رغبتها في تحديد موعد الولادة الذي يناسبها سلفاً ليس مبرراً كافياً للإقدام على الولادة بالعملية القيصرية .
وعلى ذلك فإنه لا يجوز للمرأة أن تطلب إجراء العملية القيصرية من غير مسوغ طبي، كما لا يجوز للطبيب كذلك أن يجري العملية القيصرية من غير مسوغ طبي، ومما يمكن أن يستدل به على ذلك ما يلي:
[1] إن الضرر الواقع بالعملية القيصرية أشد من الضرر الواقع بالولادة الطبيعية، والقاعدة الشرعية أن" الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف " .
[2] إن العملية القيصرية هي عملية جراحية، وقد تقدم بأن من شروط جواز إجراء أي جراحة ألا يوجد البديل الذي هو أخف ضرراً منها .
[3] إن العملية القيصرية لا تجرى إلا تحت تأثير المخدر ، والمواد المخدرة لا يجوز استخدامها إلا عند الحاجة، ولا حاجة هنا .
[4] إن إجراء العملية القيصرية من غير مسوغ طبي معارض لمقصد الشارع من الحث على التكاثر ؛ ذلك أن أكثر الأطباء لا يسمح للمرأة أن تتجاوز ثلاث أو أربع ولادات بهذه العملية، بل وينصحون بتعقيم المرأة بعد هذا العدد من الولادات القيصرية .
والله أعلم ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين

الإسطوانات الدعوية